الجذام ويسمى أيضًا مرض هانسن، مرض مزمن معد، يؤثر أساسًا على الجلد والأغشية المخاطية ـ وخاصة تلك التي في الفم ـ والجهاز العصبي المحيطي، الذي يشتمل على الأعصاب التي تربط الحبل الشوكي بالعضلات. وفي الحالات المتقدمة من المرض قد تتأثر أيضًا العينان والكبد والطحال والعضلات ونقي العظم. والجذام ليس مرضًا قاتلاً في العادة، ولكن إهمال المرض أو عدم علاجه قد يؤدي إلى تشوهات ربما تشل اليدين والقدمين.
كان مرضى الجذام عبر السنوات ضحايا تحامل الناس عليهم وخوفهم منهم، وذلك بسبب التشوهات المرتبطة بالمرض. ففي العديد من المجتمعات يعامل مرضى الجذام معاملة المنبوذين.
الأسباب. ينتج الجذام عن الإصابة ببكتيريا عصوية الشكل تسمى المتفطرة الجذامية، وتعرف أحيانًا باسم عُصية هانسن. فقد لاحظ الطبيب النرويجي جيرهارد هانسن المتفطرة الجذامية لأول مرة في عينات الأنسجة المأخوذة من مرضى الجذام، في عام 1873م. وفي العام التالي أوضح أن البكتيريا تسبب المرض.
وتحدث الإصابة بالمتفطرة الجذامية أساسًا في الإنسان، ولكن البكتيريا لوحظت أيضًا في الشمبانزي والمدرع وقرد المانجابي. ولا يعرف الباحثون كيفية انتقال البكتيريا، بينما أشارت تقارير إلى حدوث إصابات عن طريق التلامس الجلدي.
الآفات الجلدية (لطخات جلدية بيضاء أو حمراء) من أعراض الجذام الشائعة. تلف الأعصاب الناتج عن الجذام، قد يضعف عضلات اليد، مما يؤدي إلى التواء الأصابع إلى الداخل.
الأعراض. يقاوم معظم المعرضين للمتفطرة الجذامية الإصابة، ويكتسبون مناعة بعد التعرض، ولكن قليلين يصابون بالمرض. وتظهر أعراض الجذام عادة بعد الإصابة بفترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
وتشمل الأعراض الرئيسية للجذام لطخات جلدية بيضاء أو حمراء تسمى الآفات الجلدية، وفقدان الإحساس في مناطق الآفات الجلدية، وتغلظ الأعصاب. وقد يتغلظ الجلد أيضًا، وتظهر عُقَيْدات (انتفاخات) داكنة في أجزاء متعددة من الجسم. وقد تصاب الأعصاب بتلف شديد في حالة عدم علاج المرض، وينتج عن ذلك ضعف اليدين والقدمين، والتواء أصابع اليدين والقدمين إلى الداخل. وعند دخول المتفطرة الجذامية إلى العينين يحدث التهاب مؤلم يسمى التهاب القزحية. وفي الحالات الحادة قد تسبب البكتيريا العمى.
وهناك شكلان للجذام : 1- الدرني و2- الجذمومي. وتظهر على المصابين بالجذام الدرني آفة واحدة أو آفات قليلة، مع وجود عدد قليل من المتفطرات الجذامية في الأنسجة، وعدم وجودها أحيانًا. أما المصابون بالجذام الجذمومي فتظهر عليهم آفات كثيرة، تحتوي على بلايين المتفطرات الجذامية في كل جرام من الأنسجة.
العلاج. لم يتوصل العلماء بعد إلى لقاح فعّال ضد الجذام يمكن الاعتماد عليه. ولكن هناك عقاقير يمكنها إيقاف تقدم المرض، ومنع انتقاله من المصاب. وقد استخدم عقار السلفا المعروف باسم الدابسون علاجًا رئيسيًا للجذام منذ أربعينيات القرن العشرين، ولكن أعدادًا كبيرة من حالات الجذام المقاومة للدابسون حدثت حتى أوائل ثمانينيات القرن العشرين.
ولمكافحة البكتيريا المقاومة للدابسون يعالج الأطباء المرضى بتوليفات من عقارين أو ثلاثة عقاقير. فالمصابون بآفات قليلة، وأعداد قليلة من البكتيريا في كل آفة، يعالجون لفترة ستة أشهر بكل من الدابسون والمضاد الحيوي المسمى ريفامبين. أما المصابون بآفات كثيرة، أو أعداد كبيرة من البكتيريا في كل آفة، فيعالجون لفترة عامين بالدابسون والريفامبين وعقار آخر يسمى الكلوفازيمين.
ويعيش أكثر من 1,5 بليون شخص في مناطق يتوطن (يوجد بكثرة) فيها لجذام. ونتيجة لذلك تتطلب مكافحة المرض اتخاذ تدابير وقائية عامة، مع استمرار معالجة الحالات الفردية. ولعدة قرون، اشتملت برامج الصحة العامة على عزل المرضى، وحصرهم في مشاف تسمى المجاذم. ولكن هذا الإجراء لم يكن له تأثير يذكر على انتشار المرض، ولم يفد المرضى كثيرًا، ولم يفلح أيضًا في إزالة الخوف والتحامل المحيطين بالمرض، واللذان يعوقان جهود الإغاثة في العديد من أجزاء العالم.
وتركز المكافحة الحديثة في اتجاهين 1- تقصي المرض اجتماعيًا للكشف عن حالات الجذام 2- التوعية الاجتماعية. فقد يحد الاكتشاف المبكر للمرض، وعلاجه بمجرد اكتشافه، من انتقال المتطفرة الجذامية إلى المجتمع، ويخفف تطور الإعاقات الجسدية المرتبطة بالمرض. ولذلك تشتمل العديد من برامج التقصي على الفحص الطبي لطلاب المدارس وأفراد المجتمع، والعلاج الدوائي لكل المصابين. وتركز التوعية الاجتماعية على تقليل الخوف من الجذام، وتشجيع المصابين للخضوع للعلاج.
نبذة تاريخية. لا يدري المؤرخون المصدر الأصلي للجذام، ومتى نشأ. وقد ظهر أول وصف للمرض قبل عام 300م، في كتابات الطبيب الهندي سوشروتا.
ودخل المرض إلى أوروبا في القرن الخامس قبل الميلاد. ويعتقد بعض المؤرخين أن المرض ربما دخل إلى أوروبا عن طريق جيوش الملك الفارسي أحشورش التي غزت اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. ومن هناك انتشر المرض عبر البلاد المطلة على البحر الأبيض المتوسط وبقية أجزاء أوروبا.
ووصل المرض إلى أطوار وبائية في أوروبا الغربية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وبعد ذلك انحسر بالتدريج عن أوروبا كلها، مع تطور الظروف المعيشية وتحسن العادات الغذائية، ولكنه بقي في النرويج حتى أواخر القرن التاسع عشر. ولم يكن المرض معروفًا في نصف الكرة الأرضية الغربي حتى وصول المكتشفين والمستوطنين الأوروبيين.
ويتراوح عدد المصابين بالجذام اليوم بين 5 و 6 مليون شخص. وهو متوطن في المناطق المدارية وشبه المدارية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى والهند وجنوب شرق آسيا. وربما توجد جيوب صغيرة من المرض في جنوب أوروبا. ويعاني نحو 300 شخص من الجذام في الولايات المتحدة الأمريكية معظمهم من المهاجرين الذين جاءوا من أماكن موبوءة.